في خطوة قد تعيد تشكيل المشهد السياسي في كندا، تم انتخاب مارك كارني زعيمًا جديدًا للحزب الليبرالي، خلفًا لجوستين ترودو، في سباق شهد تنافسًا حادًا على القيادة. ومع فوزه، يُتوقع أن يقود الحزب الليبرالي في الانتخابات الفيدرالية المقبلة، والتي قد تُعقد قبل موعدها الرسمي في أكتوبر.
ورغم أن كارني تولى قيادة الحزب فورًا، إلا أن ترودو سيظل في منصب رئيس الوزراء لفترة انتقالية غير محددة بعد، مما يمنح خليفته فرصة لترسيخ نفسه سياسيًا قبل مواجهة زعيم المحافظين، بيير بويليفر، الذي يتصدر حاليًا استطلاعات الرأي.
تحديات دبلوماسية واقتصادية أمام كارني
أحد أبرز الملفات التي تنتظر كارني هو التوتر المتزايد بين كندا والولايات المتحدة، لا سيما بعد التصريحات الحادة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اتهم كندا بالتسبب في أزمة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، وهدد بفرض تعريفات جمركية صارمة على الواردات الكندية، متذرعًا بمكافحة تهريب الفنتانيل عبر الحدود.
وفي أول تصريح له عقب فوزه، أكد كارني التزامه بتطوير شراكات تجارية جديدة مع دول موثوقة، مشددًا على أن حكومته ستبقي على التعريفات الانتقامية ضد الولايات المتحدة “حتى تعاملنا واشنطن باحترام”. كما وصف تهديدات ترامب بأنها هجوم مباشر على الأسر والعاملين والشركات الكندية، متوعدًا بعدم السماح له بتحقيق أهدافه.
التوترات بين البلدين انعكست أيضًا على الشارع الكندي، حيث تعرض النشيد الوطني الأمريكي لصيحات الاستهجان خلال مباريات رياضية في الدوريين الوطنيين للهوكي وكرة السلة في كندا، في تعبير عن الغضب الشعبي تجاه سياسات البيت الأبيض.
مواجهة سياسية محتدمة مع حزب المحافظين
كارني، الذي تولى سابقًا منصب محافظ بنك كندا وبنك إنجلترا، يواجه خصمًا شرسًا في بيير بويليفر، زعيم المحافظين، الذي يسعى إلى النأي بنفسه عن ترامب، مؤكدًا أنه “ليس جزءًا من حركة MAGA”. وفي المقابل، هاجم بويليفر كارني، معتبرًا أن سجله في العمل المالي جعل الولايات المتحدة أقوى وكندا أضعف.
في المقابل، رد كارني على انتقادات بويليفر، معتبرًا أن الأخير يقدم خطة تترك كندا منقسمة وضعيفة في مواجهة الضغوط الأمريكية، بينما شدد على ضرورة الوقوف بحزم ضد إدارة ترامب وحماية الاقتصاد الكندي.
في أعقاب انتخاب مارك كارني زعيمًا للحزب الليبرالي ورئيسًا للوزراء المتوقع، أعرب رئيس وزراء أونتاريو، دوغ فورد، عن تهانيه، مشيرًا إلى أن البلاد بحاجة إلى قيادة قوية لمواجهة تهديد الرسوم الجمركية التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وأكد فورد على أهمية التعاون بين جميع مستويات الحكومة لدفع عجلة الاقتصاد الكندي، لا سيما من خلال دعم مشاريع استغلال المعادن الحيوية في شمال أونتاريو ومنطقة “رينغ أوف فاير”. كما شدد على ضرورة إلغاء الضريبة الفيدرالية على الكربون، واصفًا إياها بأنها عبء اقتصادي يضر بالأسر والقدرة التنافسية للبلاد. ورغم خلافاته السابقة مع جوستين ترودو، أثنى فورد على جهوده في تعزيز الاستثمارات، خصوصًا في قطاع السيارات الكهربائية والبطاريات، مطالبًا الحكومة المقبلة بالحفاظ على هذه الالتزامات لدعم العمال الكنديين.
أجندة اقتصادية وبيئية جديدة
يركز كارني على تعزيز الاقتصاد الكندي عبر استغلال الموارد الطبيعية، مثل المعادن الحيوية، وجعل البلاد رائدة في مجال الطاقة النظيفة. كما أعلن عن خطط لنقل عبء ضريبة الكربون من المستهلكين إلى الشركات الكبرى، مشيرًا إلى أن حكومته ستلغي الضرائب المفروضة على الوقود للمواطنين والشركات الصغيرة، مقابل تقديم حوافز للحد من الانبعاثات.
على صعيد السياسة التجارية، يرى كارني أن التعريفات الانتقامية هي الحل الأمثل لمواجهة الضغوط الأمريكية، متوعدًا باستخدام العائدات الناتجة عنها لدعم العمال الكنديين. كما أكد أنه لن يتهاون في الدفاع عن مصالح بلاده أمام تهديدات ترامب.
نهاية عهد ترودو وبداية مرحلة جديدة
بعد أكثر من عقد في قيادة الحزب الليبرالي، يودّع جوستين ترودو المشهد السياسي وسط أزمات اقتصادية وانتقادات متزايدة لأدائه، خاصة بعد استقالة نائبته ووزيرة المالية كريستيا فريلاند، التي كانت مرشحة محتملة لخلافته.
وفي آخر خطاب له كزعيم للحزب، حذر ترودو من أن التحديات القادمة تمثل “لحظة مصيرية” لكندا، معتبرًا أن البلاد تواجه تهديدًا وجوديًا من الولايات المتحدة بسبب الأزمة الاقتصادية والتجارية المتفاقمة.
الآن، مع تولي كارني القيادة، تتجه الأنظار إلى كيفية تعامله مع هذه التحديات، وما إذا كان سيتمكن من استعادة ثقة الناخبين الليبراليين، وقيادة الحزب إلى فوز جديد في الانتخابات القادمة.
مارك كارني يخلف جوستين ترودو في قيادة الحزب الليبرالي وسط تحديات اقتصادية وسياسية كبرى.