في تحول ديموغرافي ملحوظ، سجلت كندا زيادة سكانية استثنائية، حيث تجاوز تعداد سكانها حاجز الـ41 مليون نسمة، بعد تسعة أشهر فقط من وصولها إلى 40 مليون نسمة. هذا النمو السريع، الذي لم تشهده البلاد منذ عام 1957، يأتي في ظل معدل نمو بلغ 3.2% في الفترة من يناير 2023 إلى يناير 2024، وفقًا لأحدث البيانات من وكالة الإحصاء الكندية.
اللافت في هذا النمو هو دور الهجرة المؤقتة، التي شكلت العامل الرئيسي وراء هذه الزيادة السكانية، حيث كانت ستقتصر نسبة النمو على 1.2% بدونها. هذا التوجه يعكس إلى حد كبير الدور الذي يمكن أن يلعبه الوافدون الجدد في دعم الاقتصاد الكندي، خاصة فيما يتعلق بسد الفجوات في سوق العمل وإدخال مهارات عالية إلى البلاد.
تتمثل إحدى الخصائص المميزة للجالية العربية في كندا في قدرتها على تكوين شبكات اجتماعية واقتصادية قوية تسهم في تعزيز التنوع الثقافي والاقتصادي للبلاد. يتجلى هذا التأثير بشكل خاص في المجالات التجارية والأكاديمية والمهنية، حيث يبرز العرب كرجال أعمال ناجحين، وأكاديميين مرموقين، ومهنيين متخصصين في مختلف القطاعات. هذا التأثير المتنامي يساهم في رسم صورة متعددة الألوان للمجتمع الكندي، معززًا بذلك النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
من جهتها، تعمل الحكومة الفيدرالية على إدارة تدفق الهجرة المؤقتة بشكل أكثر فعالية لمواجهة تحديات تكلفة المعيشة، حيث أعلن وزير الهجرة عن تحديد أهداف للمقيمين المؤقتين بهدف ضمان نمو “مستدام” لعدد القادمين الجدد.
في سياق متصل، أشارت تقارير إحصائية إلى حدوث تحولات في أنماط الهجرة الداخلية بين المقاطعات الكندية خلال عام 2023، حيث شهدت ألبرتا أكبر مكاسب صافية من الهجرة الداخلية، بينما عانت كولومبيا البريطانية وأونتاريو من خسائر نتيجة الهجرة إلى مقاطعات أخرى. هذه التحولات تعكس التغيرات في جاذبية المقاطعات الكندية للمهاجرين الداخليين، مع تأثير مباشر على الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية لهذه المقاطعات.
كما يسلط الضوء على أزمة الإسكان في كندا كأولوية قصوى للقادة التجاريين الكنديين، وفقًا لاستطلاع أجرته شبكة عالمية للخدمات المهنية، حيث يرى 94% منهم أن توفر السكن في كندا يجب أن يكون على رأس أولويات الميزانية الفيدرالية القادمة نظرًا لكونه الخطر الأكبر على الاقتصاد. يعكس هذا التوجه المخاوف المتزايدة من تأثير أزمة الإسكان على النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجه الشركات في جذب واستبقاء المواهب نتيجة لارتفاع تكاليف المعيشة المرتبطة بشكل كبير بتكاليف الاجارات و أقساط قروض المنازل.
في خضم هذه التغيرات الديموغرافية، يبرز الدور الأساسي للهجرة في تشكيل مستقبل كندا، سواء من خلال تعزيز نمو السكان أو عبر التأثير على سوق العمل والاقتصاد. بينما تسعى الحكومة إلى التوازن بين تحقيق نمو سكاني مستدام ومواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة، يظل الوافدون الجدد عنصرًا حيويًا في رسم ملامح مستقبل البلاد.