مع التغيرات المناخية التي تتسارع وتيرتها، باتت الآثار الأولية تظهر جلياً في المجالات الرياضية، التي يعتبرها الكثيرون جزءاً لا يتجزأ من حياتهم. ففي كندا، شهدت الأنشطة الشتوية كالتزلج على قناة ريدو في أوتاوا والتي لم تفتح للتزلج العام الماضي للمرة الأولى، تحديات كبيرة بسبب النقص في تساقط الثلوج، مما قصر موسم التزلج إلى عشرة أيام فقط هذا العام. ولم يقتصر التأثير على الرياضات الشتوية فقط، بل امتد ليشمل الألعاب الصيفية كالبيسبول، حيث يأمل فريق تورنتو بلو جايز ألا يضطر لإغلاق سقف ملعب روجرز سنتر بسبب دخان الحرائق البرية كما حدث الصيف الماضي.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية الرياضة كنقطة انطلاق لمناقشات أوسع حول الطوارئ المناخية، كما تشير البروفيسورة مادلين أور، مؤسِسة والمديرة المشاركة لمجموعة بحوث بيئة الرياضة. أور، التي كانت قد بدأت اهتمامها بتأثير التغير المناخي على الرياضة خلال عملها في منتجع للتزلج في فرنسا، عانت من تأخر تساقط الثلوج ومخاطر الانهيارات الثلجية التي أودت بحياة خمسة مراهقين في حادثة مروعة. هذه التجارب دفعتها لتكريس جهودها البحثية لاستكشاف كيف يمكن للرياضة أن تكون جزءاً من الحل لهذه الأزمة.
أور تناولت في كتابها القادم “التدفئة: كيف يغير التغير المناخي الرياضة”، الذي سينشر قريباً، الطرق التي تتأثر بها الرياضات حالياً وكيف يمكن أن تسهم في معالجة التغير المناخي. من بين التحديات التي تواجهها الرياضة، وفاة لاعبي كرة القدم بسبب ضربات الحر، وضرورة بدء الماراثونات عند منتصف الليل لتجنب الحرارة المرتفعة، وتآكل ملاعب الغولف الشهيرة مثل سانت أندروز بسبب البحر المتقدم.
في المقابل، تحدثت أور عن البدائل الممكنة كاستخدام الحافلات بدلاً من الطائرات للرحلات التي تستغرق أقل من خمس ساعات، وتطبيق تدابير تعويض الكربون للسفريات الضرورية. هذه التغييرات تستلزم جهوداً كبيرة لكنها ضرورية لضمان استمرارية الرياضة كجزء من حياتنا وثقافتنا.
أور، التي فقدت الفرصة للتزلج هذا الشتاء، تأمل أن يحفز كتابها النقاشات حول التغير المناخي في مختلف التجمعات الرياضية ويحث على اتخاذ إجراءات فعالة. من خلال تسليط الضوء على هذه المشكلات، تطمح إلى تحريك الجمهور ليصبحوا جزءًا من الحل، لا مجرد متفرجين.
في ظل هذه التحديات، يبرز السؤال الأكبر حول مستقبل الرياضات في كندا وحول العالم في مواجهة التغيرات المناخية المتسارعة. ومن هنا، تنبع أهمية التكيف والابتكار في الأنظمة الرياضية للحد من تأثيرات هذه الأزمة. فمن خلال تحويل الأنشطة الرياضية إلى نماذج مستدامة، يمكن لهذه المؤسسات أن تلعب دوراً بناءً في مكافحة التغير المناخي وتعزيز الوعي البيئي.
إن الرياضة، بحكم تأثيرها الواسع وشعبيتها الكبيرة، يمكن أن تكون أداة فعالة للتوعية والتغيير الإيجابي. تماماً كما تفعل الفعاليات الكبيرة مثل الأولمبياد والماراثونات، التي تجذب انتباه العالم، يمكن للرياضة أن تعرض بديلاً مستدامًا يحتذى به في أنماط الحياة. فالاختيارات الفردية مثل استخدام الأدوات الرياضية المستدامة وتقليل السفر الجوي، إلى جانب التغييرات الهيكلية في تنظيم الفعاليات، يمكن أن تُحدث فرقاً كبيراً.
وبالنظر إلى الأمام، يظهر أن التحديات البيئية ستستمر في تشكيل السياق الذي تُمارس فيه الرياضات المختلفة، مما يستلزم استجابة مبتكرة ومتكاملة من جميع الأطراف المعنية. يُعتبر التكيف مع هذه الواقع الجديد ليس فقط ضرورة للحفاظ على الصحة والسلامة، ولكن أيضاً فرصة لإعادة تقييم وتحسين كيفية إدارتنا للألعاب والمسابقات الرياضية.